فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأحزاب: الآيات 72- 73]:

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}.

.الإعراب:

{على السموات} متعلّق ب {عرضنا} الفاء عاطفة أن حرف مصدريّ ونصب {يحملنها} مضارع مبنيّ على السكون في محلّ نصب.. وها مفعول به {منها} متعلّق ب {أشفقن}.
والمصدر المؤوّل {أن يحملنها} في محلّ نصب مفعول به عامله أبين.
وجملة: {إنّا عرضنا} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {عرضنا} في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: {أبين} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: {يحملنها} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ أن.
وجملة: {أشفقن} لا محلّ لها معطوفة على جملة أبي.
وجملة: {حملها الإنسان} لا محلّ لها معطوفة على جملة أبين.
وجملة: {إنّه كان} لا محلّ لها اعتراضيّة للتعليل.
وجملة: {كان ظلوما} في محلّ رفع خبر إنّ.
(73) في للتعليل {يعذّب} مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللا.
والمصدر المؤوّل {أن يعذب} في محلّ جرّ باللام متعلّق ب {حملها}.. أو ب {عرضنا}.
عاطفة {يتوب} مضارع منصوب معطوف على {يعذّب} {على المؤمنين} متعلّق ب {يتوب} الواو للاستئناف.
وجملة: يعذّب اللّه لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ أن المضمر.
وجملة: {يتوب اللّه} لا محلّ لها معطوفة على جملة يعذّب اللّه.
وجملة: {كان اللّه} لا محلّ لها استئنافيّة مبيّنة لما سبق.

.البلاغة:

التمثيل: في قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها} لما بين عظم شأن طاعة اللّه ورسوله، ببيان عظم شأن ما يوجبها من التكاليف الشرعية، وصعوبة أمرها بطريق التمثيل، من الإيذان بأن ما صدر عنهم من الطاعة وتركها، صدر عنهم بعد القبول والالتزام. وعبر عنها بالأمانة.

.الفوائد:

الأمانة:
قال ابن عباس: أراد اللّه بالأمانة الطاعة والفرائض التي عرضها اللّه على عباده. عرضها على السموات والأرض والجبال، على أنهم إذا أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم. وقال ابن مسعود: الأمانة أداء الصلوات، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وصدق الحديث، وقضاء الدين، والعدل في المكيال والميزان، وأشد من هذا كله الودائع، وقيل: جميع ما أمروا به ونهوا عنه.
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

سورة الأحزاب مدنية وآياتها ثلاث وسبعون.
بسْم اللَّه الرَّحْمن الرَّحيم.

.[سورة الأحزاب: الآيات 1- 5]:

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)}.

.اللغة:

{تُظاهِرُونَ} مضارع ظاهر ومصدره الظهار بكسر الظاء وهو- كما في القاموس- قول الرجل لامرأته أنت عليّ كظهر أمي وقد ظاهر منها وتظهّر وظهّر، وخصوا الظهر دون غيره لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج ففي قول المظاهر أنت عليّ كظهر أمي كناية تلويحية لأنه ينتقل من الظهر إلى المركوب ومن المركوب إلى المرأة لأنها مركوب الزوج فكأن الظاهر يقول: أنت محرمة عليّ لا تركبين كتحريم ركوب أمي.
ومن المفيد أن نورد ما قاله الزمخشري في معنى أنت عليّ كظهر أمي قال: أرادوا أن يقولوا أنت عليّ حرام كبطن أمي فكنوا عن البطن بالظهر لئلا يذكروا البطن الذي ذكره يقارب ذكر الفرج وإنما جعلوا الكناية عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن ومنه حديث عمر رضي اللّه عنه: يجيء به أحدهم على عمود بطنه أراد على ظهره ووجه آخر وهو أن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرما عندهم محظورا وكان أهل المدينة يقولون: إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول فلقصد المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه شبهها بالظهر ثم لم يقنع بذلك حتى جعله ظهر أمه فلم يترك ظهر الأم وأحكام الظهار مبسوطة في كتب الفقه.
{أَدْعِياءَكُمْ} جمع دعي وهو من يدعى لغير أبيه، فعيل بمعنى مفعول ولكن جمعه على أدعياء غير مقيس لأن أفعلاء إنما يكون جمعا لفعيل المعتل اللام إذا كان بمعنى فاعل نحو تقي وأتقياء وغني وأغنياء، وهذا وإن كان فعيلا معتل اللام إلا أنه بمعنى مفعول فكان القياس جمعه على فعلى كقتيل وقتلى وجريح وجرحى.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} يا حرف نداء وأي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب يا والهاء للتنبيه والنبي بدل واتق فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت ولفظ الجلالة: مفعول به ولا الواو حرف عطف ولا ناهية وتطع فعل مضارع مجزوم بلا وفاعل تطع ضمير مستتر تقديره أنت والكافرين مفعول به والمنافقين عطف على الكافرين وجملة إن اللّه تعليل للأمر والنهي لا محل لها وان واسمها وجملة كان خبرها واسم كان مستتر تقديره هو وعليما خبر كان الأول وحكيما خبرها الثاني.
{وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} واتبع عطف على اتق وما مفعول به وجملة يوحى صلة ونائب الفاعل مستتر تقديره هو وإليك متعلقان بيوحى ومن ربك حال وجملة إن اللّه تعليل للأمر أيضا وقد تقدم اعرابها قريبا.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا} عطف على ما تقدم وعلى اللّه متعلقان بتوكل وكفى فعل ماض والباء حرف جر زائد واللّه فاعل كفى محلا ووكيلا تمييز وأجازوا إعرابه حالا.
{ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} كلام مستأنف مسوق للرد على مزاعم المشركين بأن لبعضهم قلبين فهو أعقل من محمد وسيأتي المزيد من هذا البحث في باب الفوائد. وما نافية وجعل اللّه فعل وفاعل ولرجل متعلقان بمحذوف مفعول جعل الثاني أو بنفس جعل وقلبين مفعول جعل محلا مجرور بمن الزائدة لفظا وفي جوفه صفة لقلبين.
{وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ}.
الواو عاطفة وما نافية وجعل فعل ماض وفاعل مستتر يعود على اللّه وأزواجكم مفعول جعل الأول واللائي اسم موصول صفة وجملة تظاهرون صلة ومنهن متعلقان بتظاهرون وإنما عدي بمن لأنه ضمن معنى التباعد كأنه قيل متباعدين من نسائهم بسبب الظهار، وأمهاتكم مفعول جعل الثاني.
{وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ} عطف على ما تقدم وأدعياءكم مفعول جعل الاول وأبناءكم مفعول جعل الثاني وستأتي قصة زيد بن حارثة في باب الفوائد، وذلكم مبتدأ والاشارة للنسب وقولم خبر وبأفواهكم حال أي كائنا بأفواهكم فقط من غير أن تكون له حقيقة.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} الواو للحال أو للاستئناف واللّه مبتدأ وجملة يقول خبر والحق صفة لمصدر محذوف أي القول الحق وهو مبتدأ وجملة يهدي السبيل خبر والسبيل منصوب بنزع الخافض أو مفعول ثان ليهدي كما تقدم.
{ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} كلام مستأنف لبيان أن نسبة كل مولود إلى والده أقوم وأعدل. وادعوهم فعل أمر وفاعل ومفعول به ولآبائهم متعلقان بادعوهم وهو مبتدأ وأقسط خبر وعند اللّه ظرف متعلق بمحذوف حال.
{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ} الفاء عاطفة وإن شرطية ولم حرف نفي وقلب وجزم وتعلموا فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعله وآباءهم مفعوله، فإخوانكم الفاء رابطة للجواب وإخوانكم خبر لمبتدأ محذوف أي فهم إخوانكم وفي الدين حال ومواليكم عطف على إخوانكم أي أبناء عمومتكم، والمولى يطلق على عدة معان منها ابن العم.
{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ} الواو عاطفة وليس فعل ماض ناقص وعليكم خبر ليس المقدم وجناح اسمها المؤخر وفيما صفة لجناح وجملة أخطأتم صلة وبه متعلقان بأخطأتم.
{وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} الواو عاطفة ولكن حرف استدراك مهمل لأنه خفف وما عطف على ما في قوله فيما فمحله الجر، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي تؤاخذون به أو عليكم الجناح فيه وجملة كان اللّه حالية أو استئنافية.

.الفوائد:

اشتملت هذه الآيات على فوائد كثيرة نوردها فيما يلي على سبيل الاختصار ونحيل من أراد المزيد منها على المطولات.
1- معنى ولا تطع الكافرين والمنافقين:
قال الزمخشري: لا تساعدهم على شيء ولا تقبل لهم رأيا ولا مشورة وجانبهم واحترس منهم فانهم أعداء اللّه وأعداء المؤمنين لا يريدون إلا المضارّة والمضادّة، وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان يحب اسلام اليهود قريظة والنضير وبني قينقاع وقد بايعه ناس منهم على النفاق فكان يلين لهم جانبه ويكرم صغيرهم وكبيرهم وإذا أتى منهم قبيح تجاوز عنه وكان يسمع منهم فنزلت وروي أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه فنزلوا على عبد اللّه بن أبيّ رأس المنافقين بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي صلى اللّه عليه وسلم الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي وعنده عمر بن الخطاب: أرفض ذكر آلهتنا وقل إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربّك فشقّ ذلك على النبي فقال عمر: يا رسول اللّه ائذن لنا في قتلهم فقال: إني أعطيتهم الأمان فقال عمر: اخرجوا في لعنة اللّه وغضبه فأمر النبي أن يخرجوا من المدينة.
2- معنى جمع القلبين:
قام النبي صلى اللّه عليه وسلم يوما يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترى أن له قلبين: قلبا معكم وقلبا معهم، وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال: كان رجل من قريش يسمى ذا القلبين يقول: لي نفس تأمرني ونفس تنهاني فأنزل اللّه فيه ما تسمعون. وروي أنه وجد من المشركين من ادعى أن له قلبين يفهم بكل منهما أو يعقل أفضل من عقل محمد وانه هو أو غيره كان يدعى ذا القلبين وأن الآية ردت هذا الزعم كما أبطلت مزاعم التبني والظهار من ضلالات العرب ومعنى القلب اللحمي غير مراد على كل حال.
هذا ويطلق لفظ القلب اسما لمضغة من الفؤاد معلقة بالنياط أو بمعنى الفؤاد مطلقا، ويقول بعضهم: أن القلب هو العلقة السوداء في جوف هذه المضغة الصنوبرية الشكل المعروفة كأنه يريد أن هذا هو الأصل ثم جعله بعضهم اسما لهذه المضغة وبعضهم توسع فسمى هذه اللحمة كلها حتى شحمها وحجابها قلبا ويطلق اسما لما في جوف الشيء وداخله واسما لشيء معنوي وهو النفس الانسانية التي تعقل وتدرك وتفقه وتؤمن وتكفر وتتقي وتزيغ وتطمئن وتلين وتقسو وتخشى وتخاف، وقد نسبت إليه كل هذه المعاني في القرآن، والأصل في هذا أن أسماء الأشياء المعنوية مأخوذة من أسماء الأشياء الحسية وقد أطلق على الشيء الذي يحيا به الإنسان ويدرك العقليات والوجدانيات كالحب والبغض والخوف والرجاء، عدة أسماء منها القلب والروح والنفس واللب، وهناك مناسبة أخرى للقلب وهي أن قلب الحيوان هو مظهر حياته الحيوانية ومصدرها وللوجدانات النفسية والعواطف تأثير في القلب الحسي يشعر به الإنسان ومهما كانت المناسبة التي كانت سبب التسمية فلفظ القلب يطلق في القرآن بمعنى النفس المدركة والروح العاقلة التي يموت الإنسان بخروجها منه قال تعالى: {وبلغت القلوب الحناجر} أي الأرواح لا هذه المضغ اللحمية التي لا تنتقل من مكانها وقال فتكون لهم قلوب فيعقلون بها أي نفوس وأرواح وليس المراد أن القلب الحسي آلة العقل وقال: {نزل به الروح الأمين على قلبك} أي على نفسك الناطقة وروحك المدركة وليس المراد بالقلب هنا المضغة اللحمية ولا العقل، لأن العقل في اللغة ضرب خاص من ضروب العلم والإدراك ولا يقال أن الوحي نزل عليه ولكن قد تسمى النفس العاقلة عقلا كما تسمى قلبا، وقد يعزى إلى القلب ويسند اليه ما هو من أفعال النفس أو انفعالاتها التي يكون لها أثر في القلب الحسي كقال تعالى: {إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} وقوله: {ليجعل اللّه ذلك حسرة في قلوبهم} وقوله: {ويذهب غيظ قلوبهم}.
وقد افتتحت السورة بالأمر بتقوى اللّه والنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين واتباع الوحي المنزل خاصة وجاء بعد ذلك قال تعالى: {ما جعل اللّه لرجل من قلبين} فكان المراد منه أن الإنسان لا يمكن أن يكون له قلبان يجمع بهما بين الضدين وهما ابتغاء مرضاة اللّه وابتغاء مرضاة الكافرين والمنافقين بل له قلب واحد إذا صدق في التوجه إلى شيء لا يمكنه أن يتوجه إلى ضده بالصدق والإخلاص فيكون في وقت واحد مخلصا للّه ومخلصا لأعداء دينه، ومن هذا الباب قول الشاعر وقد رمق سماء هذا المعنى:
لو كان لي قلبان عشت بواحد ** وتركت قلبا في هواك يعذب

وخلاصة القول أن أشد ما ذكر فيه من التأويلات انهم كانوا يدعون لابن خطل قلبين فنفى اللّه صحة ذلك وقرنه بما كانوا يقولونه من الأقاويل المتناقضة كجعل الأدعياء أبناء والزوجات أمهات وهذه الأمور الثلاثة متنافية، أما الأول فإنه يلزم من اجتماع القلبين قيام أحد المعنيين بأحدهما وضده في الآخر وذلك كالعلم والجهل والأمن والخوف وغير ذلك، وأما الثاني فلأن الزوجة في مقام الامتهان والأم في محل الإكرام فنافى أن تكون الزوجة أما، وأما الثالث فلأن البنوّة أصالة وعراقة في النسب والدعوة لاصقة عارضة به فهما متنافيان وذكر الجوف ليصور به صورة اجتماع القلبين فيه حتى يبادره السامع بالإنكار.
هذا وقد قال تعالى هنا {ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه} وقال في موضع آخر: {رب إني نذرت لك ما في بطني محررا} فاستعمل الجوف في الأولى والبطن في الثانية ولم يستعمل الجوف موضع البطن ولا البطن موضع الجوف واللفظتان سواء في الدّلالة وهما ثلاثيتان في عدد واحد ووزنهما واحد أيضا فانظر إلى سبك الألفاظ كيف يفعل فعله؟
3- قصة زيد بن حارثة:
أجمع أهل التفسير على أن قال تعالى: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} أنزل في زيد بن حارثة، وكان من أمره ما رواه أنس بن مالك وغيره أنه سبي صغيرا فابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد فوهبه لعمته خديجة بنت خويلد فوهبته خديجة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأعتقه وتبناه فأقام عنده مدة ثم جاء عنده أبوه وعمه في فدائه فقال لهما رسول اللّه: خيّراه فإن اختراكما فهو لكما دون فداء فاختار زيد الرق مع رسول اللّه على حريته فقال النبي عند ذلك: يا معشر قريش اشهدوا أنه ابني، ولما تزوج النبي زينب بنت جحش التي كانت امرأة زيد بن حارثة الذي تبناه النبي قالوا تزوج محمد امرأة ابنه فكذبهم اللّه في ذلك وسترد القصة مع مناقشتها قريبا في هذه السورة.